الاثنين، 2 مايو 2016

الوقت.

تحتاج الحياة على سطح الأرض الى تنظيم الأعمال والأهداف من أجل الوصول الى الغايات المطلوبة والحصول على السعادة المرجوّة، ومن أهمّ ما يرتبط بمفهوم التنظيم هو الوقت، فقانون الوقت يسير على الإنسان في كلّ ظروفه نائماً وقائماً، سليماً ومريضاً، صغيراً وكبيراً، فهو لا يتوقّف عند أحد ولا يتوقف لظرف ما، وقد أوصانا ديننا الحنيف بحسن استغلال الوقت وتنظيمه بما يرضي الله عز وجل، فالوقت ينقضي ولا يبقى منه سوى الذكرى والأعمال التي تمّت خلاله.


أهمّيّة الوقت

أقسم الله تعالى بالوقت في كتابه الكريم؛ قال عز وجل"والعصر، إن الإنسان لفي خسر"، وقال تعالى: " والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى"، ولا يقسم العظيم إلا بعظيم، فأولى الإسلام الوقت الكثير من الإهتمام لأنّ فيه تتمّ الأعمال الصالحة أو الطالحة ويحاسب العبد بناءً على هذه الأعمال، ويعلم مكانه في الآخرة.

أوجب الإسلام ملأ الوقت بالأعمال الجيّدة والإيجابية والتي تعود على الفرد بالمنفعة والخير مثل: أداء العبادات، وممارسة الرياضة، والقراءة فيما ينفع الأمة، حيث إنّه لا يوجد أخطر على الناس خاصّة الشباب من الفراغ لأنّه يؤدّي إلى اتّباع الطريق الخاطئة، ويستغل الشيطان هذا الفراغ ويجرّ الإنسان إلى طريق الفساد والمعاصي ويزيّنها في عينه، ويصغّر من إثمها فيضيع الإنسان، وينغمس في الشهوات والضلالات، وصدق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حين قال "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحّة والفراغ" (رواه البخاري).

يجب على الإنسان أن ينظّم وقته ويستغلّه؛ وأولى الخطوات هي تحديد هدف للسعي من أجل تحقيقه، فالعوم في هذه الحياة دون هدف توقِع الفرد في التخبط، وتداخل أمور حياته المختلفة مع بعضها، وقد يؤدّي به هذا إلى الشعور بالإحباط والتوتر والإكتئاب، والخطوة الأخرى هي تنظيم الوقت واستغلاله في اتباع الأسباب المشروعة التي قد توصل الى الهدف، كما يجب الإبتعاد عن أصدقاء السوء اللذين يضيعون وقتهم في اللهو واللعب واتباع المفاسد فالرفقة الصالحة تشجّع الفرد على استغلال الوقت بما يرضي الله عز وجل وكسب الحسنات التي تأتي يوم القيامة تثقل ميزانه.

ويجب أن لا ننسى أخي القارىء أنّ الإنسان سوف يُحاسب على كل لحظة من عمرة ماذا عمل بها؛ لذلك يجب المحافظة على هذا الوقت للفوز بالجنة عند الحساب، ولا ينفع الندم على ما فات من وقت، فكم من شيخٍ كبير يتمنّى لو يرجع به العمر ليستغلّ وقته فيما ينفعه، ولكن يجب عدم ترك المجال للشيطان بأن يدخل من مداخل أنّ الوقت قد فات ولا ينفع الندم وإنّما كل لحظة يمكن البداية منها فلعلّ هذه اللحظة هي التي يبدأ فيها الإنسان تصويب أوضاعه هي المنقذة له.

عرف الإنسان منذ بعيد الزمان قيمة الوقت وحرص على عدم هدره، لأنه يعد من الأشياء الثمينة التي إذا مرت لا تعوض ولا تعود؛ وقد قال الحكماء منذ زمن عن الوقت بأنه كالسيف إذا لم تقطعه قطعك، ولهذا عليك عزيزي القارىء أن تهتم بوقتك وأن تعمل على عدم هدره. كما وأوصت الشريعة الإسلامية على الإهتمام بالوقت والتفاني في إستغلاله الإستغلال الأمثل والأفضل، ولقد نصت أحاديث من السنة النبوية الشريفة على الإهتمام بالوقت والتحذير والإنذار لمن يهدره سدى فقال صلى الله عليه وسلم:" لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال عن عمره فيمَ أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن عمله ماذا عمل فيه"، وبهذا أوضح الرسول صلى الله عليه وسلم الصورة يوم القيامة، فكل إنسان لن يتحرك من مكانه حتى يسأل ويحاسب عن كل شيء عامة وعن الوقت خاصة. ولقد دقق الرسول على اغتنام الوقت لثمنه الباهض وعدم القدرة على استرداده إذا ما مضى، فلقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"اغتنم خمساً قبل خمس شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك"؛ لذلك قسم الإسلام اليوم إلى أوقات موزعة على الصلوات الخمسة وجعل الواحدة لا تجوز في وقت الأخرى، وشرع الحج والصيام في أوقات محددة من العام مثل رؤية الهلال في رمضان. لذلك يجب عليك عزيزي القارىء أن تهتم بوقتك وتعزز العمل بجد، وألا تؤجل الأعمال الواردة لك في يومك وأن تقوم بعملها في حينها، فقال الحكماء في هذا الموضع من الحديث لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد. إن الحياة اليوم مليئة بالمشاغل الكثيرة ويشتكي الناس في عصرنا من ضيق الوقت، ولكن في الماضي كان اليوم مدته 24 ساعة ولم يتغير ولم تكن الناس تشتكي من ضيق الوقت؛ إذاً ما الذي تغير، إن الذي تغير هو أن الحياة فرضت علينا الكثير من الأمور التي لم تكن متواجدة في الماضي في نفس الوقت المتمثل في الأربع وعشرون ساعة والذي لم يتغير، فلقد أصبح الإنسان طموح أن يفعل أشياء كثيرة مما لا يستوعبه الوقت. إن العالم اليوم مكتظ بالكثافة السكانية ولا يوجد عمل كاف ليغطي الإنفجار السكاني الذي توصلنا إليه اليوم، لذلك أقدمت شركات روسية خاصة بدراسة عملية إدارة الوقت، وعملت على تجميد البشر والإنتظار بعد الكثير من السنين حتى يعودون، فيكون لديهم فرصة أكبر للعمل والإنجاز، ونجحت هذه العملية، ولقد قامت الشركة بتنفيذها مما أثار دهشة الناس عند انتشار الخبر، حيث يشعر السامع بأنه في فيلم من أفلام الخيال العلمي. وأخيراً كل ما تحدثنا عنه يدل على أهمية الوقت فلا تضيعه واغتنمه، فالوقت الذي يمضي لايرجع.